تعز – سماح عملاق

منذ حصار جماعة الحوثي لمدينة تعز عام 2015، ومواطنو هذه المدينة في صراعٍ مستميتٍ مع قسوة الطبيعة؛ باحثين عن أقرب منفذٍ يتنفس منه السكان، وكانت طريق التربة – لحج “هيجة العبد” هي الهمزة الوحيدة الواصلة بين مدينتي تعز، وعدن.

قبل اندلاع الحرب، لم تكن هيجة العبد إلا طريقًا ثانويًا غير مؤهل حتى لسكان تلك المناطق المقصية من خدمات الدولة، تتحداها  سيارات الدفع الرباعي المعروفة بـ”الشاصات” كسياراتٍ مؤهلة لمقاومة الجغرافيا الوعرة في الهيجة، لكن انقطاع خط الراهدة عدن أحيا أهمية “هيجة العبد” كي تصبح المتنفس الوحيد لمدينة تعز المحاصرة من كافة الجهات عدا الهيجة.

وتعد محافظة تعز أكبر محافظات الجمهورية اليمنية من حيث عدد السكان، ففيها ما يقرب من  2٬229٬912 نسمة، حسب التعداد السكاني الأخير للجمهورية اليمنية عام 2004، وكانت دراسات التعداد توقعت أن يرتفع عدد السكان إلى 2,857,576، العام 2022، ما يعني أن حصار هذا العدد كارثة إنسانية، واختراق جسيم لمواثيق القانون الدولي، فضلًا عن انتقال جميع السكان مع زائري المحافظات الأخرى لسلوك طريق مهجور ومتهالك؛ مما يتسبب بحوادثٍ مستمرة، وموجات عالية من الرعب النفسي للمسافرين من تعز إلى عدن طوال 8 كم تقريبًا من المنعطفات الوعرة.

“ما لم تكن هناك جدية في إصلاح الطريق البديل جنوب تعز “هيجة العبد” فإن المحافظة على أبواب حصارٍ كامل، ما يعني تهديد حياة آلاف المواطنين”.

ما يزيد الأمر سوءًا، إهمال الجهات الرسمية لهذا الطريق الحيوي، لاسيما مع تساقط أمطار فصل الصيف التي تتسبب بانحدار الصخور، وتحفر الطرق الفرعية المتحفرة فعليًا؛ فيتعرض آلاف المسافرين لحوادث وإعاقات عديدة لحركة السفر ذاتها.

حلم صيانة الطريق

في الـ14 من يونيو 2019، أعلنت السلطات المحلية لمديريتي المقاطرة والشمايتين في لحج وتعز، عن قطع طريق هيجة العبد بشكل كامل، لغرض استكمال أعمال الصيانة والترميم، ودعت المواطنين، وسائقي المركبات الثقيلة، لتحويل المسار، وقد صرح بعد الإعلان بثلاثة أيام مدير المؤسسة العامة للطرق والجسور فائز عقلان، قائلًا إن “فترة الإغلاق المتوقعة ستمتد لأربعة أشهر، وسيحاولون تكثيف الجهود ليتم افتتاح الهيجة خلال شهرين”.

وكان قد بدأ العمل في تهيئة طريق هيجة العبد في مارس 2019، ثم توقف فجأة لتذهب المؤسسة لتهيئة طرق بديلة أكثر صعوبة من الهيجة، كطريق التربة الصحى، وكانت البداية الفعلية لتهيئة طريق الهيجة بتاريخ 20 سبتمبر 2019، عقب انقطاع الخط -تمامًا- بحركات العربات الثقيلة، حسب عقلان. مضيفًا أنه تم اعتماد 160 مليون ريال من صندوق الصيانة، لاستكمال إصلاح الأضرار، وقد كان سبقه عقد محدد حتى كيلو 4 من الهيجة، فنفذت خلال تلك الفترة 9 أروان مع جهاتها الداخلية، وتوقف العمل في المنتصف. 

وقال الناشط المجتمعي سامي الأكحلي، في الـ29 من سبتمبر 2020، إنه “تم اعتماد ميزانية لأكثر من مرتين من قبل صندوق صيانة الطرق، ومع ذلك توقفت الأعمال فيها، وقد فشلت كل المحاولات التي أعلنت عنها السلطات خلال الفترة الماضية لإصلاح هيجة العبد، المنفذ الوحيد للمحافظة”.

وأضاف الأكحلي، خلال مقابلة لتقرير مصور بثته قناة بلقيس الفضائية: “ما لم تكن هناك جدية في إصلاح الهيجة وإعادة تأهيلها، فإن المحافظة على أبواب حصارٍ كامل، ما يعني تهديد حياة آلاف المواطنين”.

الناشط الحقوقي علي الصراري أبدى تعجبه وامتعاضه، في مداخلة له مع قناة العربي،  في أول أكتوبر 2020، قائلًا: “بالرغم من وجود مناشدات من منظمات المجتمع المدني ومن شباب ناشطين في هذا المجال، إلا أنه لايوجد أي تجاوب من السلطات، وبالرغم من أن مسؤولي المحافظة يمرون من هذه الطريق، وبالرغم من تعرض المحافظ نبيل شمسان لحادثة سقوط وشيكة في أحد منعطفات هذه الهيجة، إلا أنه مازال هناك أخذ ورد عن هيجة العبد، وعن صيانة هذا الطريق الذي لا بديل له ولا متنفس للمدينة غيره”.

وأضاف الصراري، أن هناك مسؤولية إنسانية وأخلاقية تقع على الأمم المتحدة، من ضمنها اتفاقية السويد التي وضعت فيها بنود منها فتح ممرات إنسانية، وهذه الممرات لم تفتتح حتى الآن. 

في أواخر نوفمبر 2020 أعلنت السلطتان المحليتان في محافظتي لحج وتعز، تدشين العمل في طريق هيجة العبد، وأكد وكيل محافظة تعز عبدالقوي المخلافي، خلال التدشين، أن المرحلة الثانية من صيانة الطرق ستشمل إصلاح الأضرار من أجل مرور المركبات والناقلات إلى المحافظة، وهي من تمويل الحكومة اليمنية ووزارة الأشغال، والمؤسسة العامة وصندوق صيانة الطرق، بيد أن الأعمال كالعادة توقفت ولم تستكمل كما يأمل المواطنون، ولم يلق ذلك الإنجاز بحجم الدعم وأهمية المشروع، حسب مصادر محلية من المواطنين.

مرةً أخرى، في مستهل العام 2021، أعلن رئيس مجلس النواب سلطان البركاني عن تعاقد برنامج إعادة إعمار اليمن مع شركة الفيصل للمقاولات، لتنفيذ طريق هيجة العبد، وأكد أنها ستباشر عملها خلال الأيام القادمة عقب تاريخ منشوره على صفحته بموقع التوصل الاجتماعي “فيسبوك”، لكن هذه المناقصة لم ترَ النور حتى تاريخ كتابة هذه المادة.

وفي23  يناير الماضي من العام الجاري، أعلنت وزارة التخطيط والتعاون الدولي التابعة للحكومة، بالشراكة مع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، التوقيع على عقد مشروع إعادة تأهيل هيجة العبد، وتتضمن الاتفاقية إعادة تأهيل وترميم عقبة هيجة العبد بطول 8 كيلومترات و800 متر، وتنفيذ شركة الفيصل للأعمال التجارية والمقاولات العامة.  

رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن عبدالقادر الخراز، استنكر في منشور له على “فيسبوك“، بتاريخ 23 يناير 2022، عدم تحديد ميزانية المناقصة التي أعلن عنها البركاني، وقال بعد مرور عام من إعلانها: “لم تحدد الميزانية، ولو سألت ربما لن تجد الإجابة. نريد أن نعلم اسم مالك شركة الفيصل للمقاولات، لكن كالعادة لن تجد من يوضح”، مذيلًا منشوره بهاشتاج “لن نصمت، وين الفلوس؟”.

تحركات شعبية

لم يرافق الخذلان الحكومي إلا هبات شعبية مطالبة بحلول جذرية على الدوام لطريق هيجة العبد، ذلك بعد فقدان عدد كبير من سكان المدينة أمل فك الحصار قريبًا عنهم، وكانت حملة “جسد واحد” إحدى المبادرات التي أقامها شباب من تعز في الشمايتين، وقد تجمعوا في الـ22 من سبتمبر 2020 على حافتي طريق هيجة العبد، رافعين لافتاتٍ تطالب الحكومة بإصلاح الطريق، عقب تدهوره بفعل الأمطار والسيول والحمولات الثقيلة للمركبات، فخرج شباب المدينة مع مشرف الصيانة في طريق هيجة العبد سلطان الدهبلي، الذي حذر من عودة الحصار على تعز بعد تدهور طريق هيجة العبد.

وفي منتصف يناير 2021، هدد سائقو الشاحنات بوقف شامل لنقل المواد الغذائية والأساسية إلى المدينة المحاصرة، ما لم تستكمل عملية الإصلاحات في الهيجة، مستنكرين خلف الوعود الحكومية، ومتسائلين عن مصير الجبايات التي يدفعونها على طول طريق الهيجة لصالح إصلاح الطريق، والتي تصل لمبلغ 40 ألف ريال يدفعها الواحد منهم في مشواره.

لم يتم تنفيذ اتفاقية صيانة طريق هيجة العبد التي كانت قبل عامين، وقد تضمنت ميزانية بقيمة 466 مليونًا و753 ألف ريال يمني من قبل شركة الخضيري، لمدة 4 أشهر، بتمويل من صندوق صيانة الطرق، وقد شاب المشروع قصور وفساد مالي كبير.

في منتصف يناير 2022 قام مواطنون محتجون، بإغلاق طريق هيجة العبد، وأكدت مصادر محلية أنهم جميعًا من أبناء تلك المنطقة، وقد أغلقوا طريق الهيجة، الذي يربط مديريات تعز مع لحج، احتجاجًا على عدم إيفاء حكومة هادي بوعودها المستمرة في صيانة وترميم الطريق، الذي يشهد حوادث انقلاب يومية للسيارات والشاحنات.

مدير عام مديرية المقاطرة جمال شمسان، قال في زيارة تفقدية للأعمال الجارية في طريق هيجة العبد، صباح الثاني من فبراير 2022: “إن هذا الطريق سيكون من ضمن الطرق المهمة في المديرية التي تتابعها السلطة المحلية لدى الجهات المختصة العليا”.

وأكد شمسان أن السلطة المحلية بمديرية المقاطرة ستكون السند والداعم لإنجاز هذا المشرع، ومبينًا أهمية هذا الطريق الحيوي الذي سيكون خطًا دائريًا للطريق الاستراتيجي (هيجة العبد – عدن)، وداعيًا إلى تكثيف الجهود.

فهل يصدق الوعد هذه المرة؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.