تعز – عبدالرب الفتاحي
يمثل قطع الأشجار في العديد من مناطق ماوية شرقي محافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، إحدى المشكلات التي لم تنل الاهتمام أو وضع الحلول لها منذ أمد بعيد، وتنخرط العديد من الأطراف في مثل هذا النشاط.
وتعتبر ممارسة الاحتطاب من قبل النساء أكثر ما يهدد بالقضاء على مساحات كبيرة من الغطاء النباتي في المنطقة. وتضطر المرأة الريفية في تعز إلى البحث عن وقود للمطبخ من أي مصدر كان، بسبب تفاقم انعدام الغاز المنزلي.
يقول معاذ عبدالله الطاهري، وهو من الشباب الفاعلين في الواقع المجتمعي بماوية، إن التدمير والاستنزاف للأشجار، يفاقم من الفقر في الجانب الحيواني والطبيعي، وأن المساحات التي أصبحت عارية من النبات خلال العقود الماضية، من الصعب تعويضها لأن الأشجار مثل “السمر، والضبيان، والعسق، والقرض” لا تنمو بسرعة، وقد تحتاج إلى سنوات عديدة لتكون شجرة متفرعة وذات طول محدود.
ويرى الطاهري أن استخدام المواطنين للحطب أسهم في إنهاء آلاف من الأشجار خلال سنوات محدودة، حيث كان التوسع الكبير من قبل النساء والمجتمع في ماوية بالاعتماد على قطع تلك الأشجار لتوفير النار التي يتم من خلالها تجهيز الطعام، وهو من عمق الحاجة لاستخدام الأشجار بشكل كبير، وكانت هناك المئات من النساء اللاتي يقمن بالتجمع والذهاب إلى مناطق تتميز بوجود الآلاف من تلك الأشجار يتم قطعها بشكل مستمر، وهذا أدى لتناقص حاد في عددها.

تهديد التنوع البيئي
يؤكد عضو مجلس النواب المهندس محسن البحر، أن قطع الأشجار هو من أهم المخاطر التي تهدد التنوع البيئي والطبيعي، ويدمر مساحات كبيرة في العديد من مناطق ماوية التي تمثل واقعًا فريدًا من حيث عدد الأشجار الطبيعية والفريدة، التي ظلت جزءًا من واقع المديرية منذ آلاف السنين.
ويلفت البحر إلى أهمية التنوع في الأشجار الموجودة، والذي ساعد في تنمية الثروة الحيوانية، وشكلت تلك المساحات من الأشجار، عاملًا مهمًا في تربية النحل وإنتاج العسل. وتساعد الأشجار المقاومة للظروف الصعبة والجفاف، في خلق بيئة طبيعية خضراء.
ويرى أن قطع الأشجار دون مراعاة للأهمية التي تلعبها سينعكس سلبًا على واقع الكثير من المناطق في ماوية التي تشكل مساحة لتكاثر تلك الأشجار، حيث إن وجود الغطاء النباتي والطبيعي يساعد في إيجاد مناطق تكون ضمن إطار المنفعة العامة، ووجود تلك المساحات يعد عاملًا مساعدًا للمحافظة على واقع الحياة النباتية، وهناك أشجار هي ضمن الواقع الطبيعي الفريد، ووجودها أو إعادة زرعها، يمثّل تحديًا أمام السكان، لأنها تتطلب فترات طويلة للنمو.

ويقول إن “استهداف الأشجار بشكل كبير من خلال القطع الواسع، يمثل أخطر ما يحيط بوجود تلك الأشجار في ماوية، حيث كان هناك إلى وقت قريب مساحات كبيرة تجمع ملايين الأشجار، لكن عملية القطع سواء للحصول على المال أو قيام الكثير من المواطنين باستهداف الأشجار لارتباطه بالواقع المنزلي، وبسبب انعدام مادتي الغاز والديزل، تسبب في خسارة الكثير منها، وتحولت تلك المساحات إلى مناطق انعدمت فيها أشكال الحياة، وانهارت عوامل الطبيعة”.
توسع قطع الأشجار
الاحتطاب الجائر من قبل المواطنين في منطقة ماوية، أدى إلى القضاء على مساحات كبيرة من الأراضي التي تحوي أشجارًا فريدة ونادرة.
وفي هذا الخصوص، يتطرق الطاهري إلى “وادي ثمران” بماوية، وهو من المساحات الكبيرة المنعزلة التي تعرضت في فترات طويلة للاحتطاب الجائر للأشجار التي كان يمتلئ بها، لكن الوادي الذي تصل مساحته إلى 30 كم²، خلال العقود الماضية بدأ يفقد معظم الأشجار، بعد أن كانت الكثير من النساء تتجمع من مناطق كثيرة، ويمارسن قطع الأشجار بشكل يومي ومنذ الصباح.
وبحسبه، فإن هناك رفضًا كبيرًا لما يمارسه الناس في قطع هذه الأشجار، وتمت معارضة ذلك مؤخرًا، وزادت مثل هذه القضايا في إطار المشاكل التي كانت مسيطرة على حياة المجتمع في ماوية، منذ فترات طويلة، حيث إن المساحات الكبيرة مثل ثمران ظلت معرضة في كل الأوقات للاحتطاب الجائر، رغم أن هناك من كان يواجه عملية قطع الأشجار، ويقوم بمنع النساء من القطع وأخذ الحطب، لكن ذلك لم يكن يمنعهن، إذ إنهن يقمن من حين لآخر بالاستمرار في استنزاف الأشجار وقطعها من سيقانها.
استنزاف الطبيعة
فتحي منصور الشجري، أحد السكان في ماوية، يتحدث عن عملية الاستهداف الذي خلق العديد من الظروف السيئة للمنطقة، وذلك نتيجة قطع الأشجار بشكل جائر، مما أدى إلى انتهاء بعضها، والتي كانت منتشرة بكثرة، حيث إن قطع “القصف”، وهي شجرة كان يعتمد عليها الناس في التغطية وربط الأخشاب في أعلى المنازل، جعل هذه الشجرة من النادر وجودها.
ويشير الشجري إلى أن شجرة القصف انتهى وجودها في العديد من قرى ماوية نتيجة للاستخدام الكبير لها، وبذلك قل عدد كبير منها وصار وجودها شحيحًا، مع تمادي الناس في زيادة القطع دون معرفة ما يمثله ذلك من خطر على الواقع الطبيعي.
على أطراف العديد من القرى كانت أشجار السمر والضبيان والعسق، تنتشر بالقرب من معظم تلك المناطق، لكن في السنوات الأخيرة أدى التوسع العمراني إلى القضاء على الآلاف منها، وأصبحت بعض القرى تتأسس على مساحات كانت تكتظ بها، ويلجأ السكان لقطعها على اعتبار أنهم لا يستطيعون توسيع منازلهم إلا من خلال إزالة تلك الأشجار.
يقول الشجري: “هناك مخاطر ستهدد الناس في ماوية، لأن تلك الأشجار كانت مهمة، إذ تضيف للعديد من تلك المناطق منظرًا طبيعيًا متميزًا، وتكتسي بالأخضر الذي يجعلها تزداد جمالًا، ويختارها الكثير من الناس للرحلات وقضاء الأوقات الجميلة، لكن التعدي الكبير على مساحات واسعة قلل من عدد الأشجار، وأصبحت تلك المناطق تخلو من كثافتها وتماسكها، كما أن قطع هذه الأشجار سيجعل الثروة الحيوانية في خطر، وكذلك النحل التي تتغذى على أزهارها”.

محميات دمرت
محمد حنش سعيد، زعيم قبلي في ماوية، يقول إن عدم الاهتمام بالأشجار أدى إلى تدمير عدد هائل منها في العقود الماضية، لأن هناك حاجة لقطعها، والذي يرتبط بالواقع الريفي الذي يعتمد في مأكله وحياته المعيشية اليومية على نوع من الأطعمة التي تحتاج للحطب وليس الغاز.
ويجد حنش أن المشكلة المهيمنة في ماوية متجذرة من حيث التمادي في الاحتطاب الجائر، ليصبح قطع الأشجار من جذوعها بمثابة انتهاء لها، إذ إن الكثير منها بمجرد أن تقطع لا تزرع من جديد، ولا تقوم بالتفرع مثل “السمر والعسق”، التي يؤدي قطعها إلى تحول المكان الذي كانت فيه ليكون فارغًا دون أي شجر، لتصبح المنطقة مع الزمان قاحلة.
ويضيف: “هناك مناطق كثيرة في ماوية كانت تصلح لتكون محميات لأنها منعزلة عن القرى وتحتوي على أشجار متقاربة وخضراء، ولديها مساحات كبيرة كلها ممتدة على أشجار مترابطة مع بعضها ومتنوعة، ووجود هذه المميزات كلها، إلى جانب أنها بيئة للكثير من الحيوانات البرية، كان يستدعي الحفاظ عليها، مثل وادي ثمران الذي يمتد على مساحات كبيرة، ورغم عملية القطع له، فإنه من المهم وضع ثمران ليكون ضمن المحميات الطبيعية، التي يمنع استهدافها وقطع أشجارها، فهو في الأساس ملك للجميع”.
كما أن هناك العديد من المناطق في ماوية تشبه ثمران من حيث المساحة ونوعية الأشجار، ما يجعل من الأهمية أن يسعى الجميع لوضع هذه المناطق لتكون بعيدة عن إلحاق الأذى بها من قبل المواطنين.
تدمير للحياة الطبيعية
أحمد الصوفي، مدير الهيئة العامة للبيئة في تعز، يعتبر أن الأشجار تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الواقع البيئي والطبيعي، وهي تؤدي العديد من الأنشطة المحورية التي تصب في خدمة الإنسان والحيوان.
ويشير الصوفي إلى أن الأشجار تعمل على توفير الأجواء الجيدة من خلال تلطيف الظروف الفصلية التي تخلق أحيانًا جوًا شديد الحرارة، لكن مع وجود الأشجار فإن هناك اعتدالًا كبيرًا في الجو وطبيعة الرياح وتأثير الشمس.
كما أن المناطق التي تحتوي على الأشجار الجبلية والتي تتحمل الجفاف، سرعان ما تعود لتخضر، وتتحول الكثير من المناطق لتكون مكانًا مناسبًا للهدوء والرحلات، وتصبح تلك المناطق ملائمة للرعي والاعتماد عليها لتربية النحل، وإنتاج أنواع محددة من العسل.
ووجود الأشجار يحافظ على التربة من الانجراف، كما أنها تسهم في تشكيل مناطق خصبة ومتماسكة، وتعمل على زيادة إعادة نشاط الأرض ونموها، حسب الصوفي.
وتكمن الأهمية الأساسية للأشجار في أنها تخلق مناطق جذب طبيعي وزراعي، وتعزز استقرار المواطنين الذين يختارون المناطق الزراعية إما لإنتاج المحاصيل أو رعي الأغنام والمواشي وزيادة إنتاج الثروة الحيوانية.
وبحسب الصوفي، فإن الاستمرار في قطع الأشجار يسبب تآكل رقعة الأراضي الزراعية، ويجعل المناطق العارية من الغطاء النباتي أكثر ضعفًا، ولا تحمل أية أهمية بيئية أو اقتصادية.