تعز – عبدالعالم بجاش
لا تفوت سلطة مارب وتعز وقادة الجيش والألوية هناك الإحتفال بمناسبة 11 فبراير رغم صواريخ مليشيا الحوثي وسقوط قتلى وجرحى بينهم قيادات عسكرية خلال مراسيم ايقاد شعلة ١١ فبراير.
تترقب صواريخ الحوثيين الباليستية مساء ١٠ فبراير من كل عام ذهاب زراء ومحافظين ومسئولين وقادة عسكريين كانت لايقاد شعلة ثورة ١١ فبراير وتنتظر بتحفز وجاهزية، العروض العسكرية والكرنفالية صبيحة يوم ١١ فبراير نفسه لإستهداف رؤوس كبيرة من القوات الحكومية.
وكانت تنطلق وتستهدف وقد حققت هدفها مرات في أكثر من مكان ومحافظة. رغم ذلك كرر اولئك الذهاب والعروض العسكرية وحدثت كوارث بصواريخ ومسيرات الحوثيين فقد كانوا اهداف سهلة ، وفي كل مرة لم تتخذ القيادة العسكرية اي احتياطات وكررت الفعل بغباء منقطع النظير.
وفي فبراير من هذا العام 2022 كانوا سيكررون نفس الخطأ ذلك لولا التعميم الرسمي والحزبي غير المعلن بوقف الاحتفاء الرسمي ليس احتياطا من تكرار اغبى تصرف في التاريخ بل تنفيذا لرغبة سعودية تقف وراء محاولة توحيد الصف الوطني وتعزيز توافق بدأ عمليا مع فصائل واجنحة في المؤتمر المتشظي.
مهرجانات لتغطية الفشل
ولولا هذا التوجيه واجواء التوافق الوطني وحاجة البلد لذلك ، فإن الغباء العسكري المقدس لدى قيادة حكومة هادي ،ما كان ليترك فرصة ذكرى ثورة ١١ فبراير دون عروض عسكرية وتقديم وجبات دسمة من ابرز القيادات المدنية والعسكرية لمسيرات وصواريخ الحوثيين.
ذلك ان المهرجانات دعاية تغطي فشل مريع وفساد مخزي لحكومة هادي لا تغطيه كل أتربة الارض ومحتواها من اسمنت ومعادن لإنه فساد مريع من قبل سلطة حكومية على شعب في حالة حرب معقدة.
في فبراير من هذا العام 2022 كانوا سيكررون نفس الخطأ ذلك لولا التعميم الرسمي والحزبي غير المعلن بوقف الاحتفاء الرسمي ليس احتياطا من تكرار اغبى تصرف في التاريخ بل تنفيذا لرغبة سعودية تقف وراء محاولة توحيد الصف الوطني وتعزيز توافق بدأ عمليا مع فصائل واجنحة في المؤتمر المتشظي.
هذه المقالة السردية المطولة تحكي ببساطة كيف كانت الثورة ” خيمتنا الأخيرة ” ونهبت من قبل مجموعة احزاب انتهازية.. وكيف تقلصت من ثورة شعب الى ثورة حزب ومن عشرات الاف الخيام في مئات الساحات بعموم اليمن الى خيمة في الرياض عليها لافته “الرئيس الشرعي” وجلبت اليها الأحزاب اكثر الانتهازيين.
حلت الذكرى السنوية الحادية عشر لثورة الحادي عشر من فبراير ، ومعها تغيرت المواقف شعبيا وعلى مستوى شخصيات عامة وعلى نحو واسع، بشأن الاحتفاء بالثورة من عدمه أو تقليصه لأدنى حد ، فيما تفاقم الجدل العام في الأوساط أكثر من السنوات الماضية.
لقد مرت المناسبة هذا العام دون مهرجانات وكرنفالات ودون عروض عسكرية في تعز ومارب وشبوة ومحافظات أخرى.. باستثناء احتفاءات بسيطة لمجاميع شبابية ، حتى أنه ولأول مرة في مأرب اوقد الشعلة شاب هو نجل أحد الضباط الشهداء او الشخصيات ، ودون حضور رسمي لقيادات محلية او عسكرية.
إلغاء الأحتفال لتوحيد القوى المناهضة للحوثي
هذا المتغير، يعود لحساسية الوضع الراهن في ظل الدفع نحو اصطفاف وطني واسع لمواجهة جماعة الحوثيين التي اثبتت خلال السنوات السبع الماضية قبولها شكليا فقط بتواجد صوري للأحزاب السياسية في صنعاء مع تقييد شبه كلي لأنشطتها المكفولة في الدستور اليمني. ذلك ان الشيئ الوحيد الذي سمحت به جماعة الحوثي لسياسيي الاحزاب ممن ظلوا في صنعاء كشركاء صوريين هو البقاء على قيد الحياة و في صمت تام.
كان أحمد عبيد بن دغر اقرب المقربين للرئيس السابق علي صالح وهو اليوم احد اهم شخصيات حكومة هادي التي تولت بفضل ثورة فبراير ويشغل حاليا رئيس مجلس الشورى. اما الموقف الذي يعتد به أن اعتماد ١١ فبراير عيدا وطنيا تم في عهده، وانه كان من اهم قادة المؤتمر المنادين بنسيان الماضي وتجاوزه لاستعادة الجمهورية والدولة وصنعاء. غير أن الوقت كان قد بدأ يفوت حكومة هادي في توحيد القوى المناهضة لجماعة الحوثي جراء استمرارالصراعات البينية الطاحنة وتغول الفساد داخل حكومة هادي.
لقد تجاوز بن دغر الماضي وتصالح مع ١١ فبراير غير ان ثلثي المؤتمر المتشظى لم تنس ولم تغفر وما تزال ترى ١١ فبراير النكبة بكل المقاييس وتحملها جرم تدمير اليمن رغم ان الثورة لم تسلم الدولة ومعسكراتها للحوثيين ولم تكن ١١ فبراير هي من اطلقت الرصاصات في راس الرئيس السابق صالح بل كانوا شركائه الحوثيين.
لقد شعر معظم انصار ثورة فبراير بالحزن على صالح والسخط اكثر على الارهاب الحوثي. لقد انهى حياته بتسجيل موقف مشرف ضد الحوثيين حتى ولو كان خيارا وحيدا بعد استنفاذ جميع السبل. إذ أن قرار التخلص من صالح وتصفيته اتخذ مسبقا في طهران، وقد أحيط صالح علما بذلك ، وابلغ بنيه وانصاره بذلك مبكرا عبر خطاب متلفز استخدم فيه عبارته التي اشتهرت حتى يومنا” ما بش فحاط ” ضمن عبارة اخطر: ” انا باق هنا واعلم أنه لن أخرج من صنعاء الا على ظهري”.
وصية صالح الأخيرة
لم يغفر صالح للثورة ولا تصالح مع قواها السياسية وانصارها، ظل ناقما حتى النفس الأخير. وعندما دعا في خطاب الساعات الاخيرة من حياته للثورة على الحوثيين في صنعاء اطلق وصاياه ، مودعا وكررها نصف وسائل اعلام المؤتمر حتى اللحظة ومن يتمعن فيها يجد بين سطورها فكرة واحدة ” ثوروا على الحوثيين ، ولا تغفروا لثوار فبراير واحزابها ، ولا تنضووا تحت إمرة هادي.”
كانت حركة صالح او ما سمي انتفاضة الرابع من ديسمبر ، حركة ابتهج معظم الشعب لها وهتف متمنيا انتصار صالح ، لكن الانتفاضة كانت هشة الى درجة ان المواجهات داخل صنعاء ومحيطها لم تدم سوى ساعات. اخمدت الانتفاضة في اليوم التالي وظهرت صورة صالح قتيلا .. وكانت صدمة لم يتوقعها ملايين اليمنيين.
كنت حينها في بهو فندق بعدن انا وصديق هو امين عام حزب ضمن تكتل اللقاء المشترك المناهض لصالح. صديقي قادم من بيئة وفكر اشتراكي ويكاد يكون واحد من مجموعة محدودة العدد من القياديين الذين يحتفظون بسجل نظيف وكان القيادي الجمهوري الوحيد في قيادة حزب “اتحاد القوى” كلها امامية من الباطن ، انضم لثورة فبراير مبكرا وكان من الد خصوم صالح لكن يوم اعلن صالح الثورة على الحوثيين غفر له كل ما تقدم وتاخر ، وكان واقفا يتابع الشاشة والاخبار على راس أصابعه، ممنيا النفس بنحاح انتفاضة ديسمبر.
مع ظهور نبأ مقتل صالح ، لم يصدق ، قال بانفعال وحزن شديدين: ” لا اصدق انه قتل ، مثله لا يمكن ان يموت بهذه البساطة ” . في الواقع قال تعبيرا موجزا من كلمتين اقوى وابلغ لا حاجة لذكره.. انما عبر عن صدمة مهولة.. وشرف في الخصومة من قبل خصم سياسي لصالح طيلة حياته السياسية وعهده.
يومها رايت ايضا انا وهو ونحن نتجول صدمة واسعة وحزن في كل عدن ، العدنيون حتى في الحافلات والباصات الصغيرة حزنوا ، في تعز والحديدة ومارب وفي كل مكان ، غالبية خصوم صالح قهرهم موته وحزنوا. وهذا يدل على أن في قلوب هذا الشعب بذرة خير وطيبة لا حدود لها تنتهي احقاد ٣٣ سنة في ٣٠ ثانية. ولو لم تكن تلك الطبيعة ما نهبت ثورة فبراير من قبل قادة المشترك ومؤتمر حكومة هادي وبعض قيادات مكونات الثورة ذات الولاءات الحزبية بحسب حجم كل حزب وتحت اشراف الاحزاب نفسها.
فساد فريق هادي
لقد سرقت سلطة وتم سرقة ثلثي تصرفات وقرارات رئيس شرعي صعد باستفتاء شعبي وبقرابة ٧ مليون صوت وقدم نفسه دون اعلان مع شباب الثورة.. وهادي تقاسم السلطة والنفوذ مع الاصلاح ونائبه علي محسن ومجموعة من رؤوساء الاحزاب.
وقد افرد مكانا كبيرا في الحكومة واجهزة الدولة لمجموعة من قيادات الثورة من الشباب بتوصيات حزبية ومحاصصة ووضع شباب محسوبين عليه كانوا ضمن القيادات الشبابية للثورة على رأس الحكومة.
كانت وما تزال الدولة غاىبة ومفقودة ومفتقدة ايضا ، لم تعد بعد في صنعاء ولم تتثبت بعد في عدن، منذ ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ تحديدا ، وهو التاريخ الانتهازي الذي امتطى ثورة ١١ فبراير وابتلع صنعاء والدولة.
رغم ذلك لم يتوقف هادي عن اصدار قرارات التعيين لمزيد من تجار الثورة المغتربين في عواصم العالم مع اسرهم. ولقد اصدر الرجل جبلا من القرارات لشباب ثورة عديمي الكفاءة من داخل فندق بالرياض ولم يكن هناك ما يعملونه ، ولم تكن لهم رغبة بمغادرة الرياض او القاهرة او اسطنبول او هولندا ولندن وبريطانيا.
والى يومنا يتسلمون شهريا رواتب ومخصصات بملايين الدولارات في بلدان إقامتهم ويستثمرون في عواصم ودول العالم.. تلكم بعض مكتسبات الثورة، اما بعضها الاخر فهو رئيس يديره مدير مكتبه والذي يتلقى تعليماته من رئاسة حزبه. ويعلم الكل ذلك لكنهم لا يتكلمون لان مدير مكتب الرئيس من شباب ثورة فبراير ووسجله الذي يشفع له أن قال خطبا كثيرة في الساحات.
عندما ترى تمسك هادي بمشروع الدولة الاتحادية من ٦ اقاليم ، تقول إنها رسالته وهي المخرج الوحيد لمؤتمر الحوار الذي سينهي قرابة ٤ الاف سنة من الحروب الدوارة والاقتتال وليس قرنا او قرنيين.
رجل مرحلي
إن هادي ليس سيئا وليس جيدا.. بعض تصرفاته قليل منها حكيمة وكثير من عمله فتور وكسل ينم عن ردائه فريقه من مكتبه ومستشاريه وشركائه الاحزاب وانصار ثورة ١١ فبراير.
عندما اتذكر الوصية التي اطلقها صالح لانصاره ” ابحثوا لكم عن رئيس غير هادي ” اجد فيها بعض القابلية، وتتغلب قناعتي ان هادي ” رجل مرحلي فقط لنقل اليمنيين الى اول عتبة في مسار الدولة الاتحادية لكل اليمنيين ” ولكنها لن تتحقق بوجوده.
إن إصراره العجيب منقذ ويجب اتباعه، عدا ذلك ليس لدى اليمن رئيس فعلي ، يتحرك ويوجه ويحاسب حتى لو كان من طبعه الكسل. في العالم كله من يقوم بالعمل هو فريق الرئيس اما الرئيس فمهامه التعبير عنها امام شعبه للقول إننا نهتم ونعمل على مدار الساعة لحلحلة المشكلات ومعالجة الازمات. ذلك ان رئيس اقوى دولة في العالم متهالك بدنيا اكثر من هادي وسقط مرة وهو يرتقي درجا ، ويبدو بعيدا عن الكاميرا انه ينام طيلة الوقت على كرسيه لا يستيقظ الا لتوقيع امر او لقاء او خطاب. مشكلة هادي انه سمح لحزب بادارة مكتبه مقابل ان تكون حصة نفوذه واسرته رقم واحد ، وذلك الحزب اثبت انه أكثر كسلا منه.
لقد تقلصت ثورة فبراير من الاف الخيام في مئات الساحات الى خيمة في الرياض اسمها ” الرئيس الشرعي” وداخلها شلة سياسية لصوص جل اهتماهم تقاسم المناصب والمكاسب لهم واسرهم والمحسوبين عليهم.
إن اليمن بائس بسبب ١١ فبراير لان من امتطوا صهوتها تقلدوا السلطة وجاؤوا مع اسرهم واطفالهم ويتوزعون المناصب حتى يومنا دون خجل ويمارسون الفساد بوقاحة وبصورة مريعة تجعلك ترى الفساد في عهد صالح أنظف وارقى.
وإن اليمن محبط وتعيس اليوم نتيجة ١١ فبراير لا بسبب الثورة كفكرة وقيمة ، وانما لأنها سلمت قيادتها وتركت السلطة لكهول الاحزاب هم منتجات عهد صالح نفسه ومعهم سرايا من شباب الثورة ممن تربعوا سابقا واجهة الثورة وكان فراغهم ظاهرا للعيان .. ويثبت ذلك، ادائهم الهزيل اليوم في رىاسة الوزراء واجهزة الدولة ومعظم بالطبع خارج البلاد ولا يعملون شيئا فقط ينتظرون استلام الحوالات الباهضة نهاية كل شهر ومخصصات اخرى.. ليشاركوا سلطة حكومة هادي الفساد العظيم.
هل كانت بعض وصايا صالح سليمة؟ إن جمهورا واسعا من انصار الثورة قد تصالحوا مع صالح وغفروا له خطاياه واخطرها تسليم الدولة والجيش وسلاح الدولة للحوثيين ، بدافع انتقام داخلي من ثورة ١١ فبراير وفق تصور مغلوط ان العودة للسلطة ممكنة عبر استخدام الحوثيين ” جسر عبور ” لكنه قتل اثناء محاولته عبور ذلك الجسر.
ما القادم؟
بالعودة للمآلات ، ينظر الشعب لقيادة حكومة هادي ويكرهون الأمر. من هو باق على موقفه فهو جمهورتابع لاحزاب ، او موقف اصيل لأفراد بإرادة حرة وفكر حر، لجهة الثورة كفكرة ومنبع تغيير ومن منظور ان من يمثلون السلطة حكومة هادي لا يمتلكونها وتغييرهم ممكن.
كلما اوغلنا في قول هذا ، جلبت حكومة هادي خاصة المحسوبين على ثورة فبراير والمستولين عليها ، جلبت مزيدا من اطفال مسئوليها ووهبتهم مناصب حكومية كبرى ورتب عسكرية اكبر وعينت اطفالا قادة لالوية لاوجود لها سوى في كشوفات المخصصات الشهرية.
إن المآلات اليوم لا تروق أحدا غير وكر اللصوص، وإن برود الاحتفاء بثورة فبراير هذا العام امر مبرر ونتيجة واقعية.
القوى السياسية تستشعر سخط الشعب بسبب ما الت الاوضاع بعد الثورة ، وسخط الشعب من فساد الاحزاب المتحاصصة حكومة هادي والعاجز عن تغييرها.. سخط سيتحول الى نقمة يوما ما إذا لم تبادر الاحزاب وحكومة هادي للتصحيح والبدء من اعلى الهرم. لذلك وغيره، دار نقاش في الكواليس حول تخفيف الاحتفالات بثورة فبراير اكثر من الاعوام الماضية، ووقف الاحتفالات رسميا.