حضرموت – وليد التميمي:
فتحت الهبة الحضرمية ملف فساد الاتجار غير المشروع في المشتقات النفطية، لكنها لم تغلقه. واللافت أن زخم البدايات قد تراجع بشكل كبير، مع إدارك قياداتها حجم التعقيدات في هذا الملف الذي تراكمت صفحات سجله الأسود منذ سنين، وباتت حقائق ما تسرب منها شبه مروية على ألسنة العامة، لكن يبقى أن ما خفي كان وسيظل على ما يبدو أعظم، بما في ذلك أسرار من يمول الحوثيين بالنفط من حضرموت، ولماذا تصاعدت أصوات من داخل الهبة ضد مصنع أسمنت حضرموت؟
وإذا كان للهبة الحضرمية من إيجابية واحدة حتى الآن، فهي نكش عش دبابير فساد المشتقات النفطية.
ويقول الصحفي حداد الكاف: “على ما يبدو أن آبار استخراج وتخزين النفط في حضرموت غير معلنة”.
ومن خلال تقليب الصور التي تحصل عليها “المشاهد”، فإنها قد توحي للوهلة الأولى بأنها محطة كهرباء، لكن مع التدقيق أكثر سيظهر أنه داخل الموقع ثلاثة آبار استخراج نفط؛ واحدة أسفل وادي عمد الحدبة، والثانية في الهضبة، والثالثة في الخشعة، وهذه الأراضي تقع في مثاوي قبيلة نهد، وبالأخص آل بن لخرش وآل بدر.
ويقول الكاف إنه كان جزء من نفط الخشعة يذهب إلى صافر ويكرر في مصافي مأرب ولا تستفيد حضرموت منه شيئًا، والآن يذهب إلى النشيمة، ويتم تصديره من هناك إلى خارج حضرموت، وجزء يذهب إلى صنعاء يهرّب عن طريق السماسرة.
7 قطاعات نفطية منتجة
وتوجد في صنعاء خزانات كبيرة على طريق كوكبان الحديدة، وتوجد 4 مصافٍ صغيرة في صنعاء، من بينها مصفاة في منطقة الحتارش.
المواقع التي حددها الكاف لا تقع في نطاق شركة بترومسيلة التي يتم تصدير نفطها الخام عبر ميناء الضبة، وينبه الكاف قائلًا: “لا بد أن يفهم الناس أنه ليس كل القطاعات النفطية بحضرموت تابعة لبترومسيلة”.
في رحلة البحث عن إجمالي عدد القطاعات النفطية في حضرموت، إضافة إلى بترومسيلة، سنجد أنها 7 قطاعات نفطية منتجة، وأكثر من 3 قطاعات استكشافية واعدة، أبرزها وفقًا للباحث علوي بن سميط، شركة كالفاني الكندية التي تعمل في قطاع 9، وهو قطاع امتياز مساحته 2227 ألف كيلومتر مربع، من الخشعة ورخية حتى أطراف وادي عمد، ويتم نقل إنتاجها عبر صهاريج (بوز) تتبع شركة الحثيلي لنقل النفط الخام إلى موانئ التصدير، أولها الضبة في الشحر على ساحل بحر العرب، وبعض الأحايين إلى مصفاة صافر في مأرب.
تتهم قيادات في الهبة الحضرمية شركة “الحثيلي” بأنها شريك لقوى نافذة في حكومة الرئيس عبدربه هادي في تهريب النفط من حضرموت إلى صنعاء، والإسهام في جعل حضرموت تعيش أزمة مشتقات نفطية خانقة”.
أصابع اتهام وجهتها قيادات في الهبة إلى “الحثيلي بأنه شريك لقوى نافذة في الحكومة المعترف بها دوليًا في تهريب النفط من حضرموت إلى صنعاء، والإسهام في جعل المحافظة تعيش أزمة مشتقات نفطية خانقة”.
ويطرح الكاف سؤالًا: لماذا شهدت صنعاء أزمة مشتقات نفطية إبّان فترة الهبة الحضرمية وانتشار النقاط الشعبية؟ ويجيب في الوقت نفسه: “كانت ناجمة عن توقف ناقلات الحثيلي من المرور في نقاط الهبة”.
لماذا أزمة المشتقات النفطية في حضرموت؟
ما جرته الهبة من حقائق شكلت صدمة للرأي العام في حضرموت، حيث تم ضبط بواخر مشتقات نفطية تدخل ميناء المكلا في صفقة يبرمها الحوثيون، من بينها الباخرة ثريا، المملوكة لشركة تامكو، التي رفض قبطانها تفريغها قبل الاتفاق على السماح بقطر حمولتها إلى صنعاء.
وأوضح الكاف أن “سوق المشتقات النفطية السوادء في حضرموت أصبحت بأكثر من وجه، أبرزها سوق بن عيفان، لكن الأدهى هو التوصيل المباشر للحوثة عبر ناقلات (بوز)، بتواطؤ من السلطة في الساحل والوادي كونه يدر عليهم مليارات كأرباح”.
وأكد أن “بعض المحطات في الوادي تأتي كميات قليلة من المشتقات النفطية جرّاء المماحكات بين الساحل والوادي، فيلجأ مالك المحطة إلى بيعها في السوق السوداء للربح الأكثر، وهنا من الطبيعي رصد مخصصات محطات بحالها تذهب مباشرة إلى السوق السوداء أو تباع لصنعاء بسعر أكثر، وهذا ما جعل الوادي يعاني منذ سنوات من شحة المشتقات النفطية مع انتشار واسع للسوق السوداء”.
مصدر خاص في شركة بترومسيلة قال لـ”المشاهد” إنه “لا يوجد تغيير في الإنتاج اليومي لبترومسيلة من النفط الخام الذي في حدود 40 ألف برميل يوميًا من 4 قطاعات 14,10,51,53”.
وأشار إلى أن “أغلب الإنتاج من قطاع 10 توتال سابقًا وقطاع 14 نكسن سابقًا، ويجمع النفط في محطة المعالجة المركزية قطاع 14 المسيلة، ويضخ عبر أنبوب نفطي طوله حوالي 90 كم إلى ميناء التصدير في الضبة، ويجمع في 5 خزانات كبيرة في الضبة سعتها الإجمالية 3.5 مليون برميل، ومنها يصدر إلى الأسواق الدولية مرة كل شهرين إلى 40 يومًا تقريبًا، عبر باخرة سعتها 2-3 مليون برميل، علمًا أن لجنة برئاسة رئيس الوزراء معين عبدالملك، هي المسؤولة عن تسويق النفط”.
وأوضح المصدر الخاص من داخل بترومسيلة أنه “في السابق إلى عام 2010 تقريبًا، كانت مبيعات النفط الخام تتم عبر شركة أركاديا السويسرية التي كان وكيلها الشيخ حميد الأحمر، وهي التي تتولى بيع نفط المسيلة بأقل من سعر برنت بـ50 سنتًا تقريبًا للبرميل الواحد، يذهب إلى جيب الشركة، وحينها كان الإنتاج في حدود 500 ألف برميل يوميًا، وبعد 2010 أوكل ملف النفط للجنة حكومية.
ويضيف المصدر: “الآن مبيعات نفط المسيلة تورد إلى حساب في البنك الأهلي السعودي، ومنه تورد الميزانية التشغيلية لبترومسيلة 30% تقريبًا كل شهرين، والباقي يفترض أنه يقسم بين الحكومة وحصة حضرموت بنسبة 20%. نسبة هذه المبالغ تتعمد السلطة المحلية عدم الإعلان عنها بشفافية حتى الآن، وتتقاذف الاتهامات مع الحكومة بعدم توريدها أو إهدارها”.
وزاد: “إنتاج النفط الخام في بترومسيلة لم يتغير إطلاقًا قبل الهبة ولا بعدها، النفط ينتج من الآبار، ويضخ إلى المحطة المركزية في المسيلة عبر الأنابيب، ومنها عبر أنبوب رئيسي إلى الضبة يجمع في الخزانات ويصدر كل شهرين، وبالنسبة لمبيعات الديزل لا توجد شفافية، لكن الملاحظ أن القاطرات التي كانت تحمل من المسيلة قد تراجعت أعدادها منذ بداية الهبة”.
وختم قائلًا إن ما تعيشه حضرموت حاليًا من أزمة في المشتقات النفطية، هي ردة فعل من التجار للاعتراض على قرار رئيس الوزراء الأخير بحصر الشراء في شركة النفط، ويبدو أن شركة نفط بالمكلا متواطئة مع التجار في هذه السياسة”.
مآلات الهبة الحضرمية
رئيس تحرير صحيفة “حضرموت 21″، أمجد صبيح، أكد لـ”المشاهد” أن متابعة إيقاف تصدير النفط من حضرموت مستمرة، وبعد إعلان لجنة تنفيذ مخرجات لقاء حضرموت العام بقيادة الشيخ حسن الجابري، تم إيقاف تصدير النفط بالكامل، ولحد اليوم رغم وصول الباخرة المخصصة لشحن النفط الخام عبر ميناء الضبة.
ورأى أن وسائل الضغط التي استخدمتها الهبة أجبرت الشرعية وممثلها المحافظ فرج البحسني على عدم النكث بالوعود التي أعطيت لقيادة الهبة بعد اللجوء إلى وسائل ضغط، منها إيقاف دخول وخروج كل المركبات من وإلى شركة بترومسيلة حتى تستكمل حصة الديزل المدعوم لوادي حضرموت، كما أن هناك وسائل ضغط وتصعيد ستتحدد مستقبلًا.
وعن موقف الهبة من شركة أسمنت حضرموت ووقف تصديره، أوضح أن تصدير الأسمنت لا دخل مباشر له بخزينة الدولة، واتخذ القرار بناء على توصيات لجنة حددت المزايا التي أعطيت للمصنع، مقابل ذلك حدد السعر، ولم يتم الإيقاف بشكل كامل، والأسمنت يصل إلى كل المديريات حتى اليوم.
وردًا على سؤال عن تراجع زخم الهبة مقارنة بالبدايات وبعد الانقسامات داخلها، أكد أن الزخم موجود، لكن الهبة الشعبية الحضرمية تتعرض لحملة تشويه وحملة مضادة من قوى الفساد المنتشرة في أماكن متعددة، بما فيها من مخلفات النظام السابق، ممن دفعت ملايين الريالات ضد الهبة. ومع هذا، فإن الزخم مازال موجودًا، وقيادة الهبة قادرة على الحشد في أي زمان ومكان، بما في ذلك وادي حضرموت، وسيترجم ذلك قريبًا، وسيعلن عنه لاحقًا”.
واتفق الصحفي محمد بالحمان مع الرأي السائد بأن زخم الهبة الشعبية الحضرمية الثانية “تراجع بشكل كبير بعد حدوث انشقاق بين قيادات الهبة، وبعد تصدر الأحزاب السياسية قيادة الهبة سواء من طرف واحد أو كلا الطرفين”.
وأوضح بالحمان أن هناك شريحة واسعة جدًا من الحضارم باتوا محتارين مما يحدث أمامهم، وموقف القبائل بنسبة 70% ليس ضد ولا مع الهبة، لأن دور مشايخ قبائل حضرموت مهم جدًا لنجاح الهبة، ومن يقود المشهد حاليًا في لجنة لقاء حرو العام حقيقة أغلبهم إن لم يكن كلهم ليسوا مشايخ شمل قبائلهم، فبالتالي هي اجتهادات من أشخاص حصلوا على دعم كبير جدًا في بداية الهبة، حتى مشايخ بعض القبائل أيدوا الهبة قبل حدوث الانشقاق والخلافات الجانبية الشخصية”.
وقال إن “الهبة كشفت المستور المخبأ منذ سنوات طويلة على الشعب الحضرمي من سرقة الثروات وسلب الحقوق وذهاب عائدات حضرموت إلى جيوب الفاسدين”.
وأكد أن نقاط الهبة لمنع تهريب النفط مازالت متواجدة في بعض المناطق المهمة التي لها تأثير كبير، وهي في مناطق الامتياز مثل منطقة الردود القريبة من بترومسيلة، إضافة إلى النقاط الشعبية المتواجدة في عقبة “عصم” ووادي العين، وفي الساحل هناك نقطتان شعبيتان؛ واحدة في غرب المكلا منطقة “بروم”، والأخرى في شرق المكلا منطقة “الريدة الشرقية”، حيث عملت هذه النقاط على توقيف القواطر التابعة للحكومة والتجار الذين يعقدون صفقات مع الحكومة، ومنها قواطر النفط”.
من جهته، استغرب تاجر حضرمي فضل عدم ذكر اسمه، الموقف الذي اتخذته بعض قيادات الهبة من مصنع أسمنت حضرموت، وتلويحهم بتعطيل إنتاجه بذريعة بيعه بأسعار أغلى داخل حضرموت مقارنة بغيرها من المحافظات.
وقال التاجر إن الأسمنت ليس من الضروريات، كما أن السوق مفتوح للجميع، والبدائل موجودة، لكن التضييق على شركة أسمنت حضرموت بحجج واهية مرفوض، لأنه لو تم التدقيق في قائمة أسعاره في بقية المحافظات، خصوصًا الشمالية، سنجد أنها بقيمة الريال القديم، أو وجود من يتحصل أتاوات في حضرموت من وكلاء المصنع، وكثرة نقاط الميازين غير الشرعية، وهنا يكمن الفرق”.