تعز – سميرة عبداللطيف

السمن البلدي صناعة تقليدية تعاصرها المرأة الريفية منذ القدم، إذ تعد المرأة الريفية عنصرًا أساسيًا في الزراعة وتربية الثروة الحيوانية في مختلف المحافظات اليمنية، إذ إن صناعة السمن إحدى الحِرف التي تقوم بها نساء الريف يوميًا.

فبيع السمن البلدي أصبح مؤخرًا إحدى الركائز التي تعتمد عليها المرأة في أرياف ومناطق يمنية عدة.

طريقة التحضير

تعتبر صناعة السمن البلدي إحدى الحرف اليدوية التي تقوم بها المرأة في الريف اليمني، فنكهته الخاصة والفريدة تدفع الكثير من الناس للإقبال على شرائه، ناهيك عن الطريقة التقليدية المستخدمة في إنتاجه دون إدخال مواد إضافية فيه.

تقول زهر الزريعي (60 عامًا)، وهي إحدى النساء اللواتي يعملنَ في صناعة السمن البلدي بمديرية المعافر في ريف محافظة تعز (جنوبي غرب اليمن): “نعمل يوميًا في صناعة السمن البلدي، حيث نقوم بحلب البقرة ثم جمع الحليب، وبعدها نرج الحليب حتى يخرج ويتجمع منه الدهن (الزبدة)، ونقوم بتسخين هذا الدهن حتى يعود سائلًا، ويتخلص -يتخمر أو يجهز- والقيام بتدخين الإناء -كبى، تبخير- ومن ثم يتكون السمن”.

تخرج زهر من أبناء منطقة “الجبزية” بريف تعز، كل صباح، بثوبها التراثي “خروشي”، وعلى خدها الورود (المشاقر) التي تُفوح عطرًا، للعمل في الحقول الخضراء، وبتجاعيد وجهها التي عاث عليها الزمن، وبصوتها الشجي الذي تصدح به من أهازيج شعبية (ملالة)، فكل نوع من هذه الأهازيج له طابع وموسم خاص، حيث يختلف كل نوع حسب الفصول الزراعية.

تقول أفنان نعمان، إحدى سكان محافظة تعز، وعاشقات السمن البلدي، لـ”المشاهد“، إنها تفضل السمن البلدي لأنه يعطي نكهة ومذاقًا مميزًا، بخاصة للوجبات الشعبية كالعصيد والفتة والشجور، ولما فيه من قيمة غذائية كونه يُصنع بطرق طبيعية.

في هذا السياق، تقول أخصائية التغذية بمدينة الحديدة (غرب اليمن) سميرة الريمي، إن “السمن البلدي الحقيقي هو السمن الذي يتم تصنيعه عن طريق زبدة الحليب القادمة من الأبقار، أما السمن الذي يُصنع من الزيوت النباتية فهو ليس سمنًا حقيقيًا، كما أنه لا يمتلك نفس الصفات والفوائد التي يمتلكها السمن الحقيقي”.

وتضيف سميرة لـ”المشاهد“، أن السمن البلدي قد تم استخدامه منذ آلاف السنين من أجل علاج العديد من الأمراض والحالات الصحية المختلفة في طب الأيورفيدا (العلاج الطبيعي). مشيرة إلى أن السمن البلدي يعد مصدرًا لمجموعة من الفيتامينات، مثل: فيتامين أ، وفيتامين ج، وفيتامين د، وفيتامين ك.

الجدير ذكره أن السمن البلدي يعد مصدرًا لمضادات الأكسدة والقليل من الدهون الصحية، والتي قد تساعد الجسم على امتصاص بعض الفيتامينات والمعادن، ويحتوي على أحماض دهنية معروفة بخصائصها المضادة للالتهاب، بحسب الريمي.

وتكمل سميرة حديثها: “بما أن السمن البلدي قائم على منتجات الألبان، فالأفراد الذين يعانون من حساسية بروتين الحليب، من المحتمل أن يثير ذلك استجابة مناعية لديهم، ومن إحدى هذه الاستجابات الطفح الجلدي، أو القيء، أو الإصابة بالإسهال في بعض الحالات. أما بالنسبة إلى الأفراد الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز، فإن تناول السمن بالنسبة لهم من الممكن أن يؤدي إلى ظهور بعض الأعراض عليهم، مثل: الانتفاخ، والغازات، بالإضافة إلى المعاناة من بعض اضطرابات المعدة”.

المرأة والريف

من خلال مشاهدة الحياة اليومية التي تعيشها المرأة الريفية في اليمن، ترسم في ذهن الفرد مدى صلابتها وعزيمتها وتحديها للحياة القاسية التي جعلت منها مثالًا للصلابة والكفاح المعيشي، وكسب الرزق من زراعة الحقول والمدرجات، وتربية المواشي، وصناعة السمن البلدي، والجبن وغيرها.

تعمل المرأة الريفية في العديد من الأعمال اليومية من زراعة الأرض وجمع المياه إلى منزلها والحطب، فيمتزج في المرأة الريفية الجمال والصلابة التي تحملها، يقول الشاعر الفضول عبدالله عبدالوهاب نعمان:

“ما أحلى بنات الجبل حينما يطوفين المدينة بالثياب الدَّمس

 خدود مثل الورد ضوء الفجر أرواها وأعطاها المشاقر حرس”

بهذه الكلمات يجسد الشاعر صفات المرأة الريفية التي تتحلى بها.

المرأة الريفية شريك أساسي مع الرجل، خصوصًا في إعالتها أسرتها وتربية الأبناء، وقيامها ببعض الأعمال الشاقة، التي فرضتها عليها البيئة الريفية القاسية.

تحديات المعيشة

تظل التحديات اليومية التي تواجهها المرأة في الريف اليمني هي التي تدفعها للعمل لكسب الرزق وإعالة أسرتها من خلال بيع مادة السمن البلدي -أنموذجًا- الذي أصبح مؤخرًا مدخلًا يوميًا للعديد من الأسر اليمنية المنتجة.

فالحاجة زهر الزريعي واحدة من نساء القرى التي تعتمد على بيع السمن البلدي لتوفير المال لها ولأسرتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.