حاوره – معاذ صالح

لا تزال المحاكم والنيابات في عدن والمحافظات المجاورة مغلقة وتعمل جزئيًا بشكل محدود جدًا، منذ بداية العام الجاري، على خلفية رفض المجلس الانتقالي الجنوبي -سلطة الأمر الواقع في عدن- لقرار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي تعيين نائبًا عامًا جديدًا للجمهورية.

المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي الذي أغلق المحاكم مطلع فبراير/شباط 2021، انتهت ولايته في 2018، ولم تتم دعوة الجمعية العمومية للانعقاد وانتخاب مكتب تنفيذي جديد حتى الآن.

والنادي -في الأساس- هو كيان نقابي يضم أعضاء السلطة القضائية من قضاة المحاكم وأعضاء النيابة العامة من المحافظات الجنوبية، لكن دوره برز هذا العام رافضًا لقرارات الرئيس عبد ربه هادي، ورئيس المحكمة العليا، القاضي حمود الهتار.

وتجلى ذلك الرفض في موقف المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي، مدعوما بالمجلس الانتقالي الجنوبي، من قرار هادي بتعيين نائب عام، الذي صدر في يناير/كانون ثاني من العام الجاري.

كما يرفض المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي قرار رئيس المحكمة العليا القاضي الهتار، الذي وجّه في 2 يوليو/تموز من العام الحالي، بفتح المحاكم والنيابات، وإحالة المكتب التنفيذي للنادي الجنوبي للتحقيق بتهمة تعطيل أعمال القضاء.

وكان رد نادي القضاة الجنوبي صادما، بعد مطالبة رئاسة مجلس القضاء الأعلى بمحاكمة القاضي الهتار.

المشاهد” استضاف رئيس شعبة النيابات الجزائية المتخصصة في مكتب النائب العام في عدن، القاضي جمال عمير المكعبي، وفي حوار خاص؛ لتوضيح خلفيات كل هذا الجدل، الذي عصف بالقضاء وعطّل مصالح المواطنين.

القاضي جمال المكعبي – رئيس شعبة النيابات الجزائية المتخصصة بمكتب النائب العام بعدن

آداة سياسية
يرى القاضي جمال المكعبي أن نادي قضاة اليمن الذي يفترض أن يكون كيانًا نقابيًا جامعًا للكل، تحول إلى “آداة لخدمة أجندة سياسية”.

وبدلًا من الوقوف على حل الإشكال وتسيير أعمال القضاء، يظهر “المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي ومجلس القضاء جزءًا من الأزمة القضائية اليوم”، بحسب القاضي المكعبي.

ينتقد المكعبي بشدة إغلاق المحاكم والنيابات، قائلًا: “من له صفة في المطالبة بإلغاء القرار (قرار تعيين نائب عام جديد)، فالقضاء هو الفيصل، وليس إغلاق المحاكم والنيابات”.

مطالبًا القضاة بضرورة النأي بعمل القضاء عن “أي صراعات سياسية، وأن يكونوا على مسافة واحدة من الجميع”، ذلك كون تسييس القضاء أو محاصصته سياسيًا يعني استغلال القضاء لا استقلاله، وبالتالي إهدار العدالة.

إرادة الفئة الصامتة
يلمح القاضي المكعبي إلى وجود “فوضى رفض واسعة” في السلك القضائي، بناء على حسابات وتجاذبات سياسية.

ويقول: “فمن صنعاء يهاجم نادي قضاة اليمن السلطة السياسية التي يمثلها الرئيس اليمني هادي، انحيازًا منه للسلطة السياسية التي يمثلها المجلس السياسي للحوثيين”.

وفي المناطق الجنوبية المحررة يهاجم المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي القرارات الصادرة عن السلطة السياسية التي يمثلها الرئيس هادي، لاسيما القرار رقم 4 لسنة 2021 بشأن تعيين نائب عام جديد، انسجامًا منه مع التوجه السياسي لبعض القوى السياسية في البلاد، كما تجد أصواتًا قضائية من خارج البلاد لا تخلو نشاطاتهم من خدمة هذا الطرف أو ذاك.

ويضيف: “أولئك جميعهم -سواء في صنعاء، وفي عدن أو خارج البلاد- لا يمثلون الإرادة الجامعة لقضاة اليمن، فالإرادة الجامعة تمثلها الفئة الصامتة دون غيرهم، وأولئك هم السواد الأعظم من قضاة البلاد”.

داعيًا مجلس القضاء الأعلى اتخاذ قرارات حاسمة حازمة بشأن مهنية العمل النقابي، ومنع تسييس العمل القضائي أو ممارسة التحزب السياسي، قائلًا: “ليعلم الجميع أن تسييس القضاء فساد وإفساد له”.

التاثير على العمل النقابي
كما يرى المكعبي أن الهدف الرئيسي من إنشاء نادي القضاة الجنوبي يجب ألا يكون لأغراض أخرى، رغم وجود نادي قضاة يضم جميع قضاة اليمن.

وقال: “نادي القضاة الجنوبي كيان نقابي جاء تأسيسه في ظل ظروف ومعاناة لقضاة المحافظات الجنوبية للدفاع عن حقوقهم، وليس لأغراض أخرى، وأنا عضو مؤسس في النادي، وقد تم الاعتراف به ككيان نقابي منذ عهد الرئيس صالح، إلا أن المكتب التنفيذي للنادي جعل من النادي منصة لتحقيق مصالحهم الخاصة، فضلًا عن اختزالهم لإرادة القضاة الجامعة، وتسخير النادي لخدمة أجندة سياسية.

وللأسف الشديد فإن “هناك قيادات المكونات النقابية لها أجندة سياسية، مما انعكس سلبًا على أدائها نقابيًا”.. يضيف القاضي المكعبي.

مؤكدا ان التسويات القضائية التي حصل عليها القضاة كانت بفضل وجهود القضاة مجتمعين، من خلال مطالبهم المتكررة وأصواتهم القوية ووقفاتهم الاحتجاجية أمام مجلس القضاء الأعلى بصورة متكررة، ولا يجوز للمكتب التنفيذي للنادي أن ينسب هذا الإنجاز له، بل إن المكتب التنفيذي أسهم في حرمان بعض القضاة من الحصول على ترقياتهم بشكل أو بآخر، فضلًا عن الإسهام في منح البعض درجات قضائية أكثر مما يستحقونها.

انتهاء ولاية “القضاة الجنوبي”
وحول مشروعية النادي الجنوبي بعد انتهاء ولايته في 2018، واستمرار صفته القانونية، رغم عدم اجتماع الجمعية العمومية للنادي لإعادة تشكيله، ومصادرة المكتب التنفيذي للحق القانوني للجمعية العمومية، رد القاضي المكعبي بأن ولاية المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي، انتهت منذ 2018، وفقا للنظام الأساسي.

ولفت إلى أن جهودًا بذلت لتشكيل لجنة تواصل، سنة 2018 للتواصل مع المكتب التنفيذي بشأن دعوة الجمعية العمومية للانعقاد وانتخاب مكتب تنفيذي جديد وفقًا لنظام أساسي معدل، لكن تلك المطالب قوبلت بعدم الاكتراث.

وأضاف، “ومازلنا مستمرين في تلك الدعوة، وسوف نعمل على انتخاب مكتب تنفيذي جديد وفقًا لمعايير مهنية نقابية ينظمها نظام أساسي معدل لا مجال فيه لتسييس العمل النقابي”.

المكعبي أشار إلى أن المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي أسهم في حرمان القضاة من حقهم في الحصول على بدل تطبيب مالي، عندما أسهم مع مجلس القضاء الأعلى في إعداد لائحة طبية خلافًا لإرادة القضاة.

معتبرا أن المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي ومجلس القضاء جزء من الأزمة القضائية اليوم.

تعطيل العدالة
ووصف القاضي المكعبي إغلاق المحاكم والنيابات بأنه “تعطيل للعدالة”، وسيادة “لغة الغاب” في المجتمع، لافتًا إلى أنه لا يوجد أي مبرر لإغلاق المحاكم، وعلى الجميع أن يجعل من القضاء مرجعًا للجميع في حسم أي منازعات.

“القضاء الأعلى”.. عاجز
وأكد رئيس شعبة النيابات الجزائية المتخصصة بمكتب النائب العام أن مجلس القضاء الأعلى الحالي “أعجز” من أن يتولى إدارة شؤون السلطة القضائية، ولا بد من مقاضاتهم بشأن كثير من القرارات التي صدرت عنه؛ إما خلافًا للقانون، وإما محاباة ومجاملة.

مشددا على ضرورة إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وفقًا لمعايير مهنية، وعلى مجلس القضاء المرتقب أن يتسم بالشفافية الإدارية والمالية، ولا بد من إحداث حركة قضائية وفقًا لمعايير الكفاءة بمعزل عن المحاباة والمحسوبية.

احترام قرارات هادي
داعيا الجميع إلى وجوب احترام قرار فخامة الأخ رئيس الجمهورية رقم 4 لسنة 2021 بشأن تعيين الدكتور أحمد الموساي نائبًا عامًا للجمهورية، ومن له صفة في المطالبة بإلغاء القرار، فالقضاء هو الفيصل، وليس إغلاق المحاكم والنيابات، ولا البيانات أو التصريحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

مذكرا الجميع بأن الاختصاص ولائيًا بشأن دعوى إلغاء قرار رئيس الجمهورية ينعقد للمحكمة العليا للجمهورية، من وجهة نظرنا، بغض النظر عن نوع الدعوى، دستورية كانت أم إدارية، عملًا بنص المادة 153 من الدستور.

رسالة
وفي ختام تصريحه مع “المشاهد” وجّه القاضي المكعبي رسالةً إلى بعض القضاة، قال لهم فيها “إن الإزدواج أو التعدد الوظيفي يشكل فسادًا، كما أن التحزب في القضاء فساد أيضًا”.

مؤكدا أن قضاة التغيير القضائي يعتزمون المضي قدمًا لانتخاب مكتب تنفيذي جديد لنادي القضاة الجنوبي، خلفًا للمكتب التنفيذي الحالي المنتهية ولايته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.