عدن – شهاب العفيف:
ارتفعت حالات الإصابة بفيروس كورونا كوفيد-19 في اليمن، بعد التوقف عن تسجيل لجنة الطوارئ العليا إصابات خلال الفترة الماضية. يعود الفيروس بنسخته الثالثة هذه المرة ليجتاح معظم المحافظات اليمنية مثل عدن وتعز ومأرب ولحج وحضرموت، في الوقت الذي تشهد هذه المحافظات وضعًا صحيًا متهالكًا ومنهارًا.
وبدأت الحالات المصابة بالظهور مطلع شهر أغسطس الجاري، بعد أن سجلت مراكز العزل والمحاجر الصحية عددًا من الأشخاص المصابين بالفيروس، أغلبهم من محافظتي تعز وعدن.
وتقول مديرة محجر الصليب الأحمر الدولي بعدن، الدكتورة زينب القيسي، إن أعداد الحالات المصابة بفيروس كورونا تتزايد بشكل كبير منذ مطلع الشهر الجاري. مضيفة في حديثها لـ”المشاهد”: “نحن في محجر الصليب نستقبل الحالات من جميع المحافظات، فهو فرز جميع المناطق، ثم نقوم بعمل فحص كورونا لهذه الحالات، والشديدة منها يتم إرسالها إلى العناية المركزة”.
الحالات البسيطة والمتوسطة يتم ترقيدها في المحجر، أما الحرجة فيتم تحويلها إلى أقرب نقطة عناية مركزة في المراكز الصحية الأخرى، بحسب القيسي، مؤكدة ان أكثر من 60٪ من الحالات التي تصل المحجر، تتوفى بسبب وصولها في مراحل خطيرة نتيجة مضاعفات المرض.
“في الموجة الثالثة، تظهر أعراض المرض على الشخص المصاب بالفيروس خلال 24 ساعة، وتتضاعف بشكل متسارع، فقد بلغت الحالات التي تم فحصها بالمحجر 50 حالة إيجابية حتى 20 أغسطس الحاري، ويتم فحص أكثر من 20 حالة يوميًا في المحجر، وخلال الأيام القليلة الماضية بدأت تزداد الحالات الإيجابية إلى نحو 11 حالة في اليوم الوحد”، تقول القيسي.
على الرغم من خطورة الوضع الراهن نتيجة الموجة الجديدة، إلا أن السلطات الحكومية لم تتخذ أي إجراءات للحد من تفشي الوباء، كإغلاق الأسواق والمساجد وأماكن التجمعات وقاعات الأفراح، بالتوازي مع غياب تام للإجراءات الاحترازية كاستخدام أدوات الوقاية الطبية، مثل القفازات والكمامات والمعقمات، من قبل المواطنين في الشوارع.
وتؤكد القيسي أن النقص في أسرّة العناية المركزة يضرب مدينة عدن، فهي محدودة ولا تكفي للمرضى الذين حالتهم خطرة، إذ إن هناك عددًا من الحالات المصابة بالفيروس توفيت نتيجة عدم حصولها على العناية المركزة.
ويقول مدير إدارة الترصد الوبائي بمكتب الصحة في مدينة تعز، الدكتور ياسين عبدالملك، إن حالات الإصابة بفيروس كورونا تزداد في المدينة بشكل غير متوقع، بخاصة بعد أن انتهت الموجة الثانية.
ويضيف عبدالملك أن أكثر المديريات في زيادة حالات الإصابة بالفيروس، هي الشمايتين، جنوبي المدينة؛ بسبب أن المواطنين الذين عادوا من المناطق الشمالية في إجازة عيد الأضحى، كان لهم الدور الأكبر في زيادة عدد حالات الإصابة فيها.
وأغلب الحالات يتم إرسالها إلى مركز العزل في المدينة، لأن مركز مستشفى خليفة بمدينة التربة جنوب تعز، لا يوجد فيه أكسجين، ومنذ 3 أيام حتى 22 أغسطس والمركز خالٍ من الأكسجين، وبلغت الحالات المصابة منذ مطلع الشهر الحالي، 209 حالات إصابة، منها 18 حالة وفاة، بحسب إحصائية مكتب الصحة بتعز.

أزمة أكسجين بمراكز العزل
تسبب نقص الأكسجين في الموجة الثانية التي غزت البلاد في أبريل الماضي، في وفاة العديد من المصابين بكورونا، نتيجة عدم حصولهم على مادة الأكسجين.
ويقول مدير مركز العزل والمستشفى الجمهوري بتعز، الدكتور نشوان الحسامي، لـ”المشاهد” إن مشكلة نقص الأكسجين ماتزال مستمرة بالمحافظة. مضيفًا أن الأكسجين في الوقت الحالي يأتي إلى تعز من محافظتي عدن ومأرب، بدعم من منظمة الصحة العالمية، وبالتنسيق مع وزارة الصحة.
ويوضح الحسامي أن حصة تعز من أسطوانات الأكسجين التي تدعم بها الصحة العالمية، هي 200 أسطوانة في اليوم الواحد، مؤكدًا وجود مشكلات تواجههم في توفير هذه الكميات، أبرزها انقطاع الطرق، والتأخير في التعبئة نتيجة الازدحام والضغط الحاصلين على المحطات بعدن ومأرب، لأنها تغطي جميع المحافظات المحررة.
ويشير إلى أن مركز العزل يحتاج من 200 إلى300 أسطوانة يوميًا، على الرغم من امتلاك المركز 1000 أسطوانة فارغة، لكن المشكلة أن عدد حالات المرضى تتزايد، وكمية الأكسجين نجدها متأخرة في مأرب أو عدن.
ويوجد في مدينة تعز محطتان لتعبئة الأكسجين، الأولى في مستشفى التعاون تم توفيرها من قبل الهلال الأحمر القطري، والأخرى في هيئة مستشفى الثورة العام تعمل بدعم من مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية، وتزوّد الأخرى مركز العزل يوميًا بـ10 أسطوانات فقط، وهي -بحسب الحسامي- لا تكفي لمريض واحد مصاب بالفيروس، فيما تزوّد محطة التعاون مركز العزل بـ40 أسطوانة يوميًا.
ويقول: “تم توفير 80 أسطوانة من كل محطتي الثورة والتعاون، ستعمل على تخفيف المشكلة”. مضيفًا: “كان هناك محطة معتمدة لتوليد الأكسجين وتعبئته مقدمة من دولة الكويت إلى المستشفى الجمهوري بمدينة تعز بفترة مدير مكتب الصحة السابق، لكن وبسبب عدم التفاعل لطلب المحطة من عدن، تم نقلها إلى المخا مطلع العام الماضي، وظلت فترة طويلة غير مركبة ومجهزة، وحاليًا أفادت معلومات بأنه تم نقلها في الفترة الأخيرة إلى محافظة مأرب”.

“توفيت والدتي”
ويروي رفيق الجرادي (25 عامًا)، أحد سكان مدينة تعز، معاناته في البحث عن أسطوانة أكسجين لوالدته التي كانت ترقد في مركز العزل بتعز، قائلًا: “وصلتُ إلى المستشفى مهرولًا تجاه الحوش الذي تتواجد فيه أسطوانات الأكسجين، فتشتُ كل تلك الأسطوانات حتى كدتُ أفقد الأمل لإنقاذ أمي من الموت، قبل أن أعثر على أسطوانة كانت الأخيرة ممتلئة بين الفارغات”.
ويتابع الجرادي حديثه لـ”المشاهد”: “وصّلتُ الأكسجين لأمي وهي تصارع الموت من الاختناق بسبب نفاد الأكسجين عليها”.
الجرادي أنقذ والدته في المرة الاولى، ولم يستطع إنقاذها في ما بعد، نتيجة لمضاعفات في قلبها بسبب الإصابة بكوفيد-19، ونقص الأكسجين، إذ كان هناك جهاز تنفس اصطناعي داخل العزل، وهو بحاجة إلى صيانة، فلم يعد يفي بالغرض، فيما بقية الأجهزة التي عددها 16 جهازًا، لدى المرضى الآخرين.
أحد العاملين في المستشفى الجمهوري أبلغه بأن المهندس بالطريق.. لكن الموت كان أسرع منه، بحسب الجرادي.

وضع صحي متهالك
7 سنوات عجاف كانت كافية لتدمير الوضع الاقتصادي والصحي في اليمن، إذ تستمر جماعة الحوثي بالإنكار وعدم إعلان تسجيل أية حالات إصابة بفيروس كورونا في مناطق سيطرتها، فيما المحافظات التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، تشهد وضعًا صحيًا متهالكًا، فالأطباء العاملون في مراكز العزل لا يتسلمون مستحقاتهم ورواتهم لأكثر من 6 أشهر. وهو ما أدى إلى عزوف الأطباء عن العمل في مراكز العزل.
“كنا نستدعي الممرضة لمركز العزل على حسابنا الشخصي، ويكلف ذلك 20 ألف ريال يمني لمدة يوم واحد”، يقول الجرادي، فيما تبلغ قيمة علاجات المصاب بالفيروس أكثر من 80 ألف ريال يمني (تعادل 100 دولار أمريكي) خلال يوم واحد فقط.
بعض المرضى وضعهم المادي سيئ للغاية. لا يوجد من يلتفت إليهم، فالموظف الحكومي راتبه لا يتجاوز 70 ألف ريال، هذا المبلغ لا يكفي لعلاج مريض لمدة 24 ساعة داخل مركز العزل، مما يضطر البعض منهم لبيع مجوهرات عائلته، أو تتراكم الديون عليه، أو يكتفي بالنظرة بحسرة لمريضه.
ويؤكد عبدالملك أن غالبية الكادر الطبي العاملين في مواجهة كورونا بتعز، تم التعاقد معهم، وليسوا موظفين رسميين، فهم يعتمدون كليًا على المستحقات التي لم تُصرف منذ 6 أشهر.
وتطالب القيسي، وزير الصحة، بسرعة التدخل وفتح المراكز المقفلة بمدينة عدن، وتدعو المنظمات الدولية والمحلية، إلى مساعدة المصابين بالفيروس، وتوفير محطات لتعبئة الأكسجين في جميع محاجر ومراكز العزل لإنتاجه بكميات كافية أمام الكم الهائل من المصابين.
وتدعو سكان محافظة عدن إلى إبلاغ محجر الصليب الأحمر عن الحالات الطارئة والمتعبة في المنازل، ليتم نقلهم إلى الحجر الصحي، والحفاظ على سلامتهم.