تعز – فاطمة العنسي

“يجب على الاطراف السياسية اليمنية أن تعطي للشعب اليمني، الذي تشكل فيه النساء طرفًا أساسيًا، فرصة لصناعة السلام”، تقول ليلى الثور، عن النساء ومسيرة السلام في اليمن، مؤكدة ضرورة إعادة عملية السلام إلى مسارها الصحيح.
وبالرغم من انعقاد الكثير من المفاوضات منذ بداية الصراع في العام 2011، إلا أنها لم تسفر عن أية نتائج، والمؤسف أن الوضع يزداد تعقيدًا نتيجة استمرار استخدام آليات تفاوض خاطئة، وإغفال الجانب المحلي تمامًا من قبل المجتمع الدولي، بحسب الثور.
وتؤكد في الحوار الذي أجراه معها “المشاهد”، أن إغفال الجانب المحلي، أدى إلى تفاقم الصراع بشكل كبير، وتحوله من خلاف سياسي إلى صراع مسلح دامٍ دمر اليمن أرضًا وإنسانًا، ورفع من مستوى أطماع العديد من الدول في السيطرة على بلادنا، وتحويلها إلى ساحة صراع دولية وإقليمية، تهدف للسيطرة على مقدرات اليمن وخيراته.
وتقول إن المجتمع الدولي عمل على إقصاء الجهود المحلية، واضعين العديد من الأعذار لتبرير ذلك. وتضيف: “نجد أن هناك توجهًا واضحًا لتسليم اليمن للفوضى، ودعمًا واضحًا لوجود العديد من المكونات بهدف تقسيمه، والذي أصبح واضحًا جدًا لكل أبناء اليمن، ولذلك نجد أن كل تلك المباحثات لم تصل إلى تسوية مناسبة تصب في مصلحة الوطن والمواطن، ولم تحل أية مشكلة بشكل حقيقي، من كل الملفات الإنسانية العالقة التي تهم المواطن اليمني، رغم كثرتها، وإمكانية إيجاد حلول منطقية، بدلًا عن وضع معالجات مؤقتة لعدد من القضايا، التي من الممكن أن تنفجر مجددًا في أية لحظة.
وتؤكد الثور على وجود تقصير واضح من مكتب المبعوث الأممي، يشترك في ذلك الأطراف السياسية التي لا تسعى إلى إنهاء الحرب، وإنما تسعى للحصول على مكاسب سياسية أكبر لها، حد قولها.
وتعمل ليلى الثور في مجال بناء السلام منذ 2011، كأول امرأة تشغل منصب رئاسة المكتب السياسي والعلاقات في حزب الأمل العربي، ورئيسة مبادرة سام للسلام وحقوق الإنسان (الوسيط بأول وأكبر تبادل للأسرى في اليمن وأول من سلط الضوء على هذا الملف الإنساني). وتمكنت من متابعة الإفراج عن العديد من المعتقلين والمعتقلات، وحل العديد قضايا الاختطافات والصراعات المسلحة.

إغفال دور المجتمع المحلي

وتؤكد الثور أنه لا يمكن حل أي ملف من ملفات السلام في اليمن، دون وجود حقيقي لدور المجتمع المحلي الذي -وللأسف- ساعد المجتمع الدولي بشكل كبير على تحويله لأداة مستخدمة لدى أطراف الصراع، ليصبح ورقة يزايد الجميع على معاناته.
ورغم كل الجهود المحلية المبذولة لإنهاء الصراع، إلا أن هذه الجهود لاتزال مُغفلة تمامًا، كما تقول، مضيفة: “تحجيم هذا الدور أحد أهم أسباب استمرار الصراع حتى الآن، وهذه النقطة أقولها باستمرار خلال كافة اللقاءات الدولية التي أقوم بها، وأيضًا خلال اللقاءات مع مكتب المبعوث، الذي أعمل كمستشارة لديه في مجال الأسرى والمعتقلين، ولذلك نكرر دائمًا أن هناك خللًا في الآليات الخاصة بعمليات السلام، والتي يجب تعديلها، عوضًا عن تكرار نفس الأخطاء والآليات طوال هذه السنوات. ويجب التركيز على الجانب المحلي، الذي أثبت نجاحًا كبيرًا في الوساطة في ملفات الأسرى والمعتقلين، كما أن تشكيل العديد من المكونات الداعية للسلام في الداخل والخارج، والتي تمثل صوت العقل والسلام، هو أحد أهم مؤشرات الوعي المجتمعي بأهمية تفعيل هذا الدور، فالمجتمع المحلي يعمل بجهود شخصية نابعة من الإحساس بالمسؤولية وحب الوطن، ولذا لا نجد اعترافًا دوليًا به، لأنه كما يبدو أن المصالح الدولية في بلادنا لم تنتهِ بعد”، حد قولها.

فاعلية دور الوساطات المحلية

وبحسب الثور، فإن “كل طرف يفسر السلام وفق مصالحه، فنجد الجميع يتحدثون عن السلام، ولكن نجدهم جميعًا أيضًا يحاربون ويقصون دعاة السلام المحليين، وهذا يسقط مصداقيتهم جميعًا، ولذلك نؤكد أنه يجب للاستفادة من الخبرات الموجودة لدى الوسطاء المحليين والخبرات المحلية في الداخل والخارج، لحل كافة ملفات السلام اليمنية، فنحن اليمنيين أدرى بحل قضايانا وطبيعة مجتمعنا، ونحن الأقدر والأحرص على حلها. هذا ما نجده بالفعل من خلال النجاحات الكثيرة التي يحققها الوسطاء المحليون، وبجهود ذاتية، منذ بداية الحرب وحتى الآن، في الإفراج عن أكثر من أربعة آلاف أسير، بينما تمكن مكتب المبعوث من إتمام تبادل ألف أسير فقط، رغم كل الإمكانيات والدعم الدولي الذي يتلقاه مكتب المبعوث الأممي”.
وتقول: “هنا يجب علينا أن نقف لنسأل أنفسنا لماذا هذا الإصرار دائمًا على إغفال وتغييب هذا الدور الهام؟”.
وتتابع: “كوني أول من سلط الضوء على أهمية هذا الملف منذ العام 2015، فقد كان لي موقف رفض قاطع لعملية تدويل هذا الملف الإنساني، نظرًا لتبعات القيام بذلك، وهو ما نجده الآن من تطويل لمعاناة الأسرى وعائلاتهم، وعرقلة واضحة لإتمام التبادلات والإفراج عنهم نتيجة ارتباط أسمائهم بالكشوفات الخاصة بمكتب المبعوث الأممي، الذي أصبح يشكل عائقًا كبيرًا في إتمام عملية بناء الثقة بين الأطراف، ولذلك فإني أؤكد على أهمية أن يكون دور المجتمع الدولي ومكتب المبعوث داعمًا للدور المحلي، وضاغطًا على أطراف الصراع للتعاون والتجاوب مع الجهود المحلية، وليس دورًا أساسيًا في عملية التفاوض”.
ولفتت إلى أن الناس فقدوا الثقة في مصداقية المجتمع الدولي، لأنهم أصبحوا مدركين أنه لا جديد، فالبرغم من وجود مبعوثين دوليين وأمميين حاليًا، إلا أن الأصوات اليمنية في ارتفاع مستمر بأهمية وضرورة دور الوساطات المحلية، لاسيما أنه أصبحت الصورة السائدة في اليمن أن المجتمع الدولي له دور كبير في تأجيج الحرب في البلاد، وهذه رسالة للمجتمع الدولي؛ إما أن يلتقطها أو لا. هذا الامر أصبح مسلمًا به بالداخل، وفي الأول والأخير علينا أن نثق بأنفسنا أولًا بأن المجتمع المحلي هو من سيقوم باستعادة السلام”.

عراقيل ملف الأسرى والمعتقلين

وأبرز العراقيل في ملف الأسرى هي “كشوفات المباحثات”، وفق الثور، مؤكدة بالقول: “نحن بإمكاننا كوسطاء أن نعمل على إتمام تبادلات شاملة بين كل طرف وآخر فقط لو منحونا الدعم والمساعدة كوسطاء محليين، وأرى أن المرأة تستطيع حل قضايا عديدة بجانب أخيها الرجل، بل توجد قضايا تحتاج لأن تكون الوسيط فيها امرأة، لأن وجودها على طاولة الحوار يخلق توازنًا وتأنيًا”. منوهة إلى أن من أهم المعوقات دخول أصحاب المصالح في أي تفاوض، لأنه يتسبب في عرقلته، فكلما تصل الملفات إلى مرحلة متقدمة من النجاح، يعملون على إعادتها إلى نقطة الصفر.
وتضيف: “أعتبر قضية كل أسير أو معتقل هي قضيتي، وأفتخر بأن الناس أعطوني الثقة، والذي يزيدني إصرارًا على أتحمل العمل بكل أمانة”.

حملات تشهير

وتقول الثور: “تعرضت لحملات استهداف وتهديدات وتشهير من أصحاب النفوس المريضة، بسبب عملي وإيماني بالسلام، وحقوق الإنسان، والذي ساعد في حمايتي منها هو حب الناس ووقوف كل من ساعدت في الإفراج عنهم، بالإضافة إلى أن لي منصبًا سياسيًا، ومنصبًا بالجانب الحقوقي، وأنا أعتبرها كلها مكملة لبعضها، وكوني مواطنة يمنية، فأنا أرى ما يراه المواطن في الشارع، وليس كسياسي، لذا أعمل أكثر كصانعة سلام، ولذلك أيضًا أصر على ضرورة إيقاف محاربة دعاة السلام، وعودة الجميع لأرض الوطن، وتوفير الحماية الدولية لهم ولكل مواطن يمني من حقه أن يعيش في وطنه بسلام وأمان”.
وتضيف: “دائمًا أتعرض لحملات شنيعة لإسكات صوتي المدافع عن حق أبناء بلدي، إلا أنني أكرر أنه “حتى إذا سكت الرجال عن قول الحقيقة، فنحن النساء لن نسكت”، ولهذا نُحارَب كنساء بشكل عام، وللأسف الشديد نجد أن النساء يقفن وحيدات في رفع أصواتهن محليًا وعربيًا ودوليًا، لإيقاف الحرب وإعادة السلام”.
“ورغم كل عمليات الإقصاء والتهميش للنساء من قبل أطراف الصراع، لا يمكن أن نغفل عن الجهود الجبارة الداعمة من إخواننا الرجال لدورنا كنساء، ولعملية السلام من قبل أبناء الشعب اليمني أنفسهم، فنحن شعب الملكة بلقيس التي اختصها الله بالذكر من بين ملكات العالمين، وأروى التي حكمت بعد الإسلام، وهذا ليس بجديد علينا كيمنيين عُرفنا بالحكمة والاعتدال. هنا أؤكد أن مشاركة النساء والشباب هي قرار سياسي محض لا دخل له بالمجتمع أو العادات والتقاليد أو الوضع الكارثي الذي نعيشه، فلا يمكن أن نستعيد السلام للوطن بأيادي الأطراف التي تسببت فيه”، تقول الثور.

“الصراع لم يتحول إلى خلاف مجتمعي”

وتؤكد الثور أن الصراع في اليمن لم يتحول إلى خلافات مجتمعية، والدليل أننا نجد أسرة واحدة أفرادها ينتمون إلى مكونات ومناطق مختلفة، وأن الانقسامات الحاصلة في المجتمع اليمني، هي نتيجة لرداءة الوضع الاقتصادي، إذ أصبح كل مواطن يحاول البحث عن “لقمة العيش”، من خلال الانضمام إلى أطراف الصراع للاستفادة، وليس الانتماء أو القناعة بهذا التوجه أو ذاك.
وتقول: “أنا على ثقة أنه في حال توقف (الدعم الخارجي) عن المكونات الداخلية، سنرى المجتمع اليمني في اليوم الثاني مباشرة كلًا يسلم على الآخر. فاليمن ليس ملكًا لطرف، وهذا ما يجب أن تعيه كافة أطراف الصراع، لأن اليمن يعاني نتيجة لقراراتهم الخاطئة واستمرار خلالفاتهم الكارثية على أمور يمكن حلها محليًا، ولا حاجة لتدويلها، لأن هذه الأعمال هي السبب الرئيسي في ضياع السيادة الوطنية، والتي تعتبر خيانة وطنية من الدرجة الأولى، سيحاسبهم عليها الشعب اليمني عاجلًا أم آجلًا”.
وتتابع: “يجب علينا أن نقف بجدية ومسؤولية، ونضع أي خلافات جانبًا، ونبدأ في تغليب المصلحة الوطنية لكي ننتقل إلى مرحلة جديدة. صحيح الآن فساد أكبر، ولكن متى ما ناقشنا الأمور بشكلها الصحيح، وبمنتهى الشفافية، سوف نستطيع أن نحلل أسباب الخلاف، ونخرج بحلول صحيحة. ما لم فنحن نعالج القشور، ولا نعالج الأسباب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.