صنعاء – حنان سيف
عادت نقاشات وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن، خلال الأيام الأخيرة، إلى ما قبل 1400 سنة، حول ما يسمى “يوم الغدير” أو “الولاية”.
بعض تلك النقاشات أخذت طابع الفكاهة والتندر، في حين يسترجعها البعض كقضية جادة تستحق الاحتفاء، إذ بدأت الاحتفالات بها تأخذ طابعًا رسميًا في مناطق سيطرة الحوثيين، باعتبارها مناسبة دينية تدعم حكمهم القائم على تخصيص الحكم في سلالة معينة من البشر.
المواطن اليمني البسيط لا يبدو مكترثًا بهذا النوع من الاحتفالات، لاسيما مع تردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، إذ الجميع منشغل بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 16 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد.
ومع ذلك، فإن روح النكتة لا تبارح اليمنيين في هكذا مواقف صعبة، سواء في الواقع أو على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يقول أحد المواطنين “لما شفت الإعلانات الاحتفالية في الشوارع تتحدث عن الصحابي علي بن أبي طالب، تخيلت أنه بيرجع للحكم بكرة”.
النقاشات المباشرة بين المواطنين اليمنيين، حول هذا الاحتفال المستجد، لا تتوقف بين مؤيد ومعارض، والبعض يتحدث بعدم اكتراث.
يقول أحدهم بلهجته المحلية: “أنا ما افتهم لي هم يتكلموا أن الولاية لعلي قبل 14 سنة وإلا ولاية اللي بيدوروا زلط ذلحين!”، في إشارة إلى جماعة الحوثي، وتحصيل الجبايات من التجار وأصحاب الأموال من قبل مسؤولي الجماعة.
الصحفي محمد الجماعي، وفي مقابلة مع “ميديا برو” للإنتاج الإعلامي، عندما سئل ما هي الولاية، قال: عمتي ولاية عبده حسن الجماعي”، في حين يقول شاب آخر: “هذه الولاية حاجة جديدة مقرطس جاءت اليمن”.
ويبدو الأمر أكثر حساسية لدى كثيرين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، حيث يتهامس الناس سرًا، ولا يجرؤ الكثير منهم على الإفصاح عما يدور في صدره علنًا، خوفًا من العواقب، لكنها إحدى قضايا “الحشوش” اليومي في مجالسهم الخاصة خلال الأيام الراهنة.
وقد دعت اللجنة المنظمة للفعاليات التابعة لجماعة الحوثي، الثلاثاء 27 يوليو الجاري، للاحتفال بهذا المناسبة في 13 محافظة يمنية تسيطر عليها جماعة الحوثي، أو على أجزاء منها، ودعت إلى التفاعل مع الفعاليات المعلنة، حيث تقام في أكثر من منطقة في إطار كل محافظة.
وكغيرها من الاحتفالات الدينية، فإن أنصار جماعة الحوثي في اليمن، لاسيما الفئة العقائدية منهم، تنظر للاحتفالية بنوع من الصرامة، بل تعتقد أنها يوم تاريخي ومهم. فبحسب روايتهم منح النبي محمد الولاية لعلي من بعده، عندما قال في منطقة تسمى “غدير خم”، وفقًا للروايات التاريخية: “من كنت مولاه فعلي مولاه”.
وحسب حديث مرئي للعلامة اليمني الراحل، محمد إسماعيل العمراني، فإن الحديث الآنف ذكره، صحيح، وقد قاله الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، في السنة الـ10 من الهجرة، عند رجوعه من حجة الوداع في منطقة بين مكة والمدينة تسمى غدير خم، إلا أن الحديث لا يدل على أن الرسول قد منح عليًا الحكم من بعده، كما يحتج به الشيعة في هذا الشأن.
رابط حديث العلامة العمراني
وفي وسائل التواصل الاجتماعي لاقت الفعالية اهتمامًا لافتًا، فقد ظهر جليًا في وسائل التواصل الاجتماعي، دفاع نشطاء جماعة الحوثي عن الاحتفال بهذه المناسبة، وتداول بعض ناشطي الحوثي مقولة لزعيم الثورة الإيرانية “الخميني”، بأن يوم “الغدير” جاء ليفهم الجميع أن السياسة تتعلق بالجميع، يجب أن تكون هناك حكومة تمارس السياسة في كل عصر، تلك السياسة العادلة، كما يقول الناشط التابع للجماعة عبدالرحمن أبو طالب.
رابط تغريدة عبد الرحمن أبو طالب
جاء #الغدیر لیفهم الجمیع أنّ السیاسة تتعلق بالجمیع، یجب أن تکون هناك حکومة تمارس السیاسة في کل عصر، تلك السیاسة العادلة التي یمکن بواسطتها إقامة جمیع المعارف الاخری، والتي تفتح الطریق امام المفکرین لتقدیم افکارهم بکل اطمئنان وسکینة.#الامام_الخميني
— عبدالرحمن ابوطالب ???????? (@abuttalebb) July 27, 2021
إلا أن الصحفية أسوان شاهر نشرت في حسابها على “تويتر”: “شفت لما واحد ينصب باسم أحد اقاربه النافذين أو أصحاب الوجاهة، ويجمع ثروة ومصالح لعرضه وبدون علمه… أيوووه الغدير حاجة زي كذه”.
رابط تغريدة أسوان شاهر
شفت لما واحد ينصُب بإسم أحد أقاربه النافذين او أصحاب الوجاهه ويجمع ثروه ومصالح لعرضه وبدون علمه .. أيوووه الغدير حاجة زي كذه ???? #عرّف_الغدير
— aswan shaher (@Aswan_shaher) July 27, 2021
وقد رصد “المشاهد” عددًا من التغريدات التي تتناول الاحتفالية بطريقة هزلية، نظرًا لارتباطها بالأحداث السياسية التي تعيشها اليمن، ومحاولات إعطاء السيطرة الحوثية على السلطة في اليمن صبغة شرعية، باعتبار زعيمهم عبدالملك الحوثي من أحفاد علي، ولهم حق الولاية كما يروجون.
يقول فيصل المجيدي، في حسابه على “تويتر”: “لا ينظرون لعلي رضي الله عنه سوى أنه وريث العرش ومورث لهم، هم على استعداد لاختراع الأحاديث والأعياد، وحتى الإتيان بالإسرائيليات، والاستشهاد بالكتب السماوية والأرضية لو كانت محرفة، ليقولوا كذبًا إن الله فضلهم على البشر، وأنهم حكام بقرار من السماء”.
أما خليل العمري فيقول: “يدوروا نبي بعد الرسوم صميل… والله كل تغريداتهم اليوم تقول كذا.. هذا بفضاء مثل تويتر، فما بالكم بدهاليز غسل العقول!”.
رابط تغريدة العمري
الهاشميين باليمن ايدوروا نبي بعد الرسول صميل..والله كل تغريداتهم اليوم تقول هكذا..هذا بفضاء مثل تويتر ما بالكم بدهاليز غسل العقول!
— khalil Muthunna Alomary (@Khalilmyemen) July 27, 2021
وتحتفي القنوات التابعة لجماعة الحوثي بما تسميه يوم “الولاية”، إذ تعرض الأناشيد والأهازيج التي تشير في مضامينها إلى أن الولاية تجديد الولاء لآل البيت.
وتشهد محافظة صعدة التي تعد المعقل الرئيسي لجماعة الحوثي، احتفالات غير مسبوقة بيوم الولاية، إذ يجتمع الآلاف من المواطنين لإطلاق الألعاب النارية والأعيرة النارية والرقص الشعبي، مع التأكيد على تقديم الولاء لآل البيت (ذرية علي بن أبي طالب).
وتقول أمة الملك الخاشب، وهي إحدى الناشطات المنتميات لجماعة الحوثي: “ألعاب نارية أضاءت صعدة وصنعاء ابتهاجًا بعيد الغدير، ولا شك أنها أظلمت بها قلوب المنافقين. فيا أيها المؤمنون لا تصدقوا إشاعات وأكاذيب المنافقين حول الولاية.”
رابط تغريدة الخاشب
ألعاب نارية أضاءت صعدة وصنعاء ابتهاجا بعيد #الغدير
— أمةالملك الخاشب (@almalekammatt2) July 27, 2021
ولاشك أنها أظلمت بها قلوب المنافقين
فيا أيها المؤمنون
لاتصدقوا إشاعات وأكاذيب المنافقين حول #الولاية
فالعدو عمل طوال مئات السنين أن يفصل الأمة عن ولاية من أمرنا الله بتوليهم
فطبيعي أن تراهم اليوم مغتاظين وهم يرون كل مشاريعهم تسقط
ويقول الناشط في وسائل التواصل الاجتماعي حمزة المقالح: “الولاية ليست طقوسًا يتوجب عليّ احترامها، بل هي فكرة تدعو إلى مصادرة حقي في الاختيار، وتعتبرني مرتدًا إن رفضتها، علاوة على أن من يروج لها جماعة مسلحة انقلبت على إرادة الشعب، ولذلك من واجب كل إنسان في دمه رجولة وحرية، أن يرفضها مهما كانت التأصيلات والتأويلات المضللة”.
رابط تغريدة المقالح
“الولاية” ليست طقوسا يتوجب عليّ احترامها، بل هي فكرة تدعو إلى مصادرة حقي في الاختيار وتعتبرني مرتداً إن رفضتها، علاوة على أن من يروج لها جماعة مسلحة انقلبت على إرادة الشعب. pic.twitter.com/feeO32fQfA
— Hamza( حمزة المقالح ) (@MakalehHamza) July 28, 2021
وعندما سئل أحد المواطنين عن الولاية، قال: “أنت تقصد الولايات المتحدة الأمريكية، وإلا إيش؟”.
هكذا يصنع اليمنيون من أحداثهم الصعبة ابتسامة تخفف من الواقع الذي وصل إليه البلد من انهيار وصراع عقب 6 سنوات عجاف.